فصل: تفسير الآيات (128- 135):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (128- 135):

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)}
قوله: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدّر، كما مرّ غير مرّة، والجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها وفاعل يهد هو الجملة المذكورة بعدها، والمفعول محذوف، وأنكر البصريون مثل هذا لأن الجمل لا تقع فاعلاً، وجوّزه غيرهم. قال القفال: جعل كثرة ما أهلك من القرون مبيناً لهم. قال النحاس: وهذا خطأ؛ لأن {كم} استفهام، فلا يعمل فيها ما قبلها.
وقال الزجاج: المعنى: أو لم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكناه، وحقيقته تدل على الهدى، فالفاعل هو الهدى، وقال: {كَمْ} في موضع نصب ب {أهلكنا}. وقيل: إن فاعل {يهد} ضمير للّه أو للرسول، والجملة بعده تفسره، ومعنى الآية على ما هو الظاهر: أفلم يتبين لأهل مكة خبر من {أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون} حال كون القرون {يَمْشُونَ فِي مساكنهم} ويتقلبون في ديارهم، أو حال كون هؤلاء يمشون من مساكن القرون الذين أهلكناهم عند خروجهم للتجارة وطلب المعيشة، فيرون بلاد الأمم الماضية، والقرون الخالية خاوية خاربة من أصحاب الحجر وثمود وقرى قوم لوط، فإن ذلك مما يوجب اعتبارهم، لئلا يحل بهم مثل ما حل بأولئك، وقرأ ابن عباس والسلمي: {نهد} بالنون، والمعنى على هذه القراءة واضح، وجملة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لأوْلِي النهى} تعليل للإنكار وتقرير للهداية، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى مضمون {كم أهلكنا} إلى آخره. والنهى: جمع نهية، وهي العقل، أي لذوي العقول التي تنهى أربابها عن القبيح.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} أي ولولا الكلمة السابقة، وهي وعد الله سبحانه بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الدار الآخرة {لَكَانَ} عقاب ذنوبهم {إلزاماً} أي لازماً لهم، لا ينفك عنهم بحال ولا يتأخر. وقوله: {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} معطوف على {كلمة} قاله الزجاج وغيره؛ والأجل المسمى هو: يوم القيامة، أو يوم بدر، واللزام مصدر لازم. قيل: ويجوز عطف {وأجل مسمى} على الضمير المستتر في كان العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق؛ تنزيلاً للفصل بالخبر منزلة التأكيد، أي لكان الأخذ العاجل {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود، وفيه تعسف ظاهر.
ثم لما بين الله سبحانه أنه لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أمره بالصبر، فقال: {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} من أنك ساحر كذاب، ونحو ذلك أن مطاعنهم الباطلة، والمعنى: لا تحتفل بهم، فإن لعذابهم وقتاً مضروباً لا يتقدّم ولا يتأخر. وقيل: هذا منسوخ بآية القتال {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} أي متلبساً بحمده. قال أكثر المفسرين: والمراد: الصلوات الخمس كما يفيد قوله: {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} فإنه إشارة إلى صلاة الفجر {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} فإنه إشارة إلى صلاة العصر {وَمِنْ ءَانَاء اليل} العتمة، والمراد بالآناء: الساعات، وهي جمع إني بالكسر والقصر، وهو الساعة، ومعنى {فَسَبّحْ} أي فصلّ {وَأَطْرَافَ النهار} أي المغرب والظهر لأن الظهر في آخر طرف النهار الأول، وأوّل طرف النهار الآخر.
وقيل: إن الإشارة إلى صلاة الظهر هي بقوله: {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} لأنها هي وصلاة العصر قبل غروب الشمس. وقيل: المراد بالآية صلاة التطوّع. ولو قيل ليس في الآية إشارة إلى الصلاة بل المراد التسبيح في هذه الأوقات أي: قول القائل سبحان الله، لم يكن ذلك بعيداً من الصواب. والتسبيح وإن كان يطلق على الصلاة ولكنه مجاز، والحقيقة أولى إلا لقرينة تصرف ذلك إلى المعنى المجازي، وجملة: {لَعَلَّكَ ترضى} متعلقة بقوله: {فسبح} أي سبح في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله سبحانه ما ترضى به نفسك، هذا على قراءة الجمهور. وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم: {ترضى} بضم التاء مبنياً للمفعول، أي يرتضيك ربك.
{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا مّنْهُمْ} قد تقدّم تفسير هذه الآية في الحجر. والمعنى: لا تطل نظر عينيك، و{أزواجاً} مفعول {متعنا}. و{زهرة} منصوبة على الحال، أو بفعل محذوف، أي جعلنا أو أعطينا، ذكر معنى هذا الزجاج. وقيل: هي بدل من الهاء في: {به} باعتبار محله، وهو النصب لا باعتبار لفظه، فإنه مجرور كما تقول: مررت به أخاك.
ورجح الفراء النصب على الحال، يجوز أن تكون بدلاً، ويجوز أن تكون منتصبة على المصدر مثل صبغة الله ووعد الله و{زَهْرَةَ الحياة الدنيا}: زينتها وبهجتها بالنبات وغيره. وقرأ عيسى بن عمر: {زهرة} بفتح الهاء، وهي نور النبات، واللام في: {لِنَفْتِنَهُمْ فيه} متعلق ب {متعنا} أي لنجعل ذلك فتنة لهم وضلالة، ابتلاءً منا لهم، كقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الارض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ} [الكهف: 7] وقيل: لنعذبنهم. وقيل: لنشدد عليهم في التكليف {وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وأبقى} أي ثواب الله، وما ادّخر لصالح عباده في الآخرة خير مما رزقهم في الدنيا على كل حال، وأيضاً فإن ذلك لا ينقطع، وهذا ينقطع، وهو معنى {وأبقى}. وقيل: المراد بهذا الرزق: ما يفتح الله على المؤمنين من الغنائم ونحوها، والأوّل أولى؛ لأن الخيرية المحققة والدوام الذي لا ينقطع إنما يتحققان في الرزق الأخروي لا الدنيوي، وإن كان حلالاً طيباً: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96]. {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة} أمره الله سبحانه بأن يأمر أهله بالصلاة. والمراد بهم: أهل بيته. وقيل: جميع أمته، ولم يذكر ها هنا الأمر من الله له بالصلاة، بل قصر الأمر على أهله، إما لكون إقامته لها أمراً معلوماً، أو لكون أمره بها قد تقدّم في قوله: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} إلى آخر الآية، أو لكون أمره بالأمر لأهله أمراً له، ولهذا قال: {واصطبر عَلَيْهَا} أي اصبر على الصلاة، ولا تشتغل عنها بشيء من أمور الدنيا {لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً} أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك، وتشتغل بذلك عن الصلاة {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} ونرزقهم ولا نكلفك ذلك {والعاقبة للتقوى} أي العاقبة المحمودة، وهي الجنة لأهل التقوى على حذف المضاف كما قال الأخفش.
وفيه دليل على أن التقوى هي ملاك الأمر وعليها تدور دوائر الخير.
{وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِئَايَةٍ مّن رَّبّهِ} أي قال كفار مكة: هلا يأتينا محمد بآية من آيات ربه كما كان يأتي بها من قبله من الأنبياء؟ وذلك كالناقة والعصا، أو هلا يأتينا بآية من الآيات التي قد اقترحناها عليه؟ فأجاب الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله: {أَوَ لَمْ يَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصحف الاولى} يريد بالصحف الأولى: التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المنزلة، وفيها التصريح بنبوّته والتبشير به، وذلك يكفي، فإن هذه الكتب المنزلة هم معترفون بصدقها وصحتها، وفيها ما يدفع إنكارهم لنبوّته، ويبطل تعنتاتهم وتعسفاتهم. وقيل: المعنى: أو لم يأتهم إهلاكنا للأمم الذين كفروا واقترحوا الآيات، فما يؤمنهم إن أتتهم الآيات التي اقترحوها أن يكون حالهم كحالهم. وقيل: المراد: أو لم تأتهم آية هي أمّ الآيات وأعظمها في باب الإعجاز يعني القرآن، فإنه برهان: لما في سائر الكتب المنزلة. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو ويعقوب وابن أبي إسحاق وحفص: {أو لم تأتهم} بالتاء الفوقية، وقرأ الباقون بالتحتية؛ لأن معنى البينة: البيان والبرهان، فذكروا الفعل اعتباراً بمعنى البينة، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم. قال الكسائي: ويجوز: {بينة} بالتنوين. قال النحاس: إذا نوّنت بينة ورفعت جعلت {ما} بدلاً منها، وإذا نصبت فعلى الحال. والمعنى: أو لم يأتهم ما في الصحف الأولى مبيناً، وهذا على ما يقتضيه الجواز النحوي وإن لم تقع القراءة به.
{وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ} أي من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أو من قبل إتيان البينة لنزول القرآن {لَقَالُواْ} يوم القيامة {رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} أي هلا أرسلت إلينا رسولاً في الدنيا {فَنَتَّبِعَ ءاياتك} التي يأتي بها الرسول {مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ} بالعذاب في الدنيا {ونخزى} بدخول النار، وقرئ: {نذلّ ونخزى} على البناء للمفعول.
وقد قطع الله معذرة هؤلاء الكفرة بإرسال الرسول إليهم قبل إهلاكهم؛ ولهذا حكى الله عنهم أنهم: {قَالُواْ بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَئ} [الملك: 9].
{قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبّصٌ فَتَرَبَّصُواْ} أي قل لهم يا محمد كل واحد منا ومنكم متربص، أي منتظر لما يؤول إليه الأمر فتربصوا أنتم {فَسَتَعْلَمُونَ} عن قريب {مَنْ أصحاب الصراط السوي} أي فستعلمون بالنصر والعاقبة من هو من أصحاب الصراط المستقيم {وَمَنِ اهتدى} من الضلالة ونزع عن الغواية، و{من} في الموضعين في محل رفع بالابتداء.
قال النحاس: والفراء يذهب إلى أن معنى {مَنْ أصحاب الصراط السوي}: من لم يضلّ، وإلى أن معنى {مَّنِ اهتدى}: من ضلّ ثم اهتدى وقيل: {من} في الموضعين في محل نصب، وكذا قال الفراء. وحكي عن الزجاج أنه قال: هذا خطأ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. وقرأ أبو رافع: {فسوف تعلمون} وقرأ يحيى بن يعمر وعاصم الجحدري: {السوى} على فعلى، وردت هذه القراءة بأن تأنيث الصراط شاذ وقيل: هي بمعنى الوسط والعدل.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ}: ألم نبين لهم. {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون يَمْشُونَ فِي مساكنهم} نحو عاد وثمود ومن أهلك من الأمم. وفي قوله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} يقول: هذا من مقاديم الكلام، يقول: لولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاماً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ نحوه.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: الأجل المسمى: الكلمة التي سبقت من ربك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {لَكَانَ لِزَاماً} قال: موتاً.
وأخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} الآية قال: هي الصلاة المكتوبة.
وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن جرير عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} قال: «قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، {وقبل غروبها} صلاة العصر» وفي الصحيحين وغيرهما من حديث جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا»، وقرأ: {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ * قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}.
وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي عن عمارة بن رؤبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن راهويه والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والخرائطي وأبو نعيم عن أبي رافع قال: أضاف النبيّ صلى الله عليه وسلم ضيفاً. ولم يكن عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يصلحه، فأرسلني إلى رجل من اليهود: أن بعنا أو أسلفنا دقيقاً إلى هلال رجب، فقال: لا إلا برهن، فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض، ولئن أسلفني أو باعني لأدّيت إليه، اذهب بدرعي الحديد»، فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}. كأنه يعزيه عن الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا»، قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟ قال: «بركات الأرض».
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن أبي سعيد الخدريّ قال: لما نزلت: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة} كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يجيء إلى باب عليّ صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: «الصلاة رحمكم الله {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً}» [الأحزاب: 33].
وأخرج ابن مردويه عن أبي الحمراء نحوه.
وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن ثابت، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله: يا أهلاه صلوا صلوا»، قال ثابت: وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب بإسناد. قال السيوطي: صحيح، عن عبد الله بن سلام قال: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شدّة أو ضيق أمرهم بالصلاة، وقرأ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة} الآية.».

.سورة الأنبياء:

وهي مكية.
قال القرطبي في قول الجميع وهي مائة واثنتا عشرة آية.
وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال: بنو إسرائيل والكهف ومريم والأنبياء هن من العتاق الأول وهن من تلادي.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا ما في العرب واد أفضل منه، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من عبدك. فقال عامر: لا حاجة لي في قطعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}.

.تفسير الآيات (1- 9):

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)}
يقال: قرب الشيء واقترب وقد اقترب الحساب، أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه. قال الزجاج: المعنى: {اقترب لِلنَّاسِ} وقت {حِسَابَهُمْ} أي القيامة كما في قوله: {اقتربت الساعة} [القمر: 1]. واللام في {للناس} متعلقة بالفعل، وتقديمها هي ومجرورها على الفاعل لإدخال الروعة، ومعنى اقتراب وقت الحساب: دنّوه منهم، لأنه في كل ساعة أقرب إليهم من الساعة التي قبلها. وقيل: لأن كل ما هو آتٍ قريب، وموت كل إنسان قيام ساعته. والقيامة أيضاً قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى، والمراد بالناس: العموم. وقيل: المشركون مطلقاً. وقيل: كفار مكة، وعلى هذا الوجه قيل: المراد بالحساب: عذابهم يوم بدر، وجملة: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} في محل نصب على الحال، أي هم في غفلة بالدنيا معرضون عن الآخرة، غير متأهبين بما يجب عليهم من الإيمان بالله. والقيام بفرائضه، والانزجار عن مناهيه.
{مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ}: {من} لابتداء الغاية.
وقد استدلّ بوصف الذكر لكونه محدثاً على أن القرآن محدث، لأن الذكر هنا هو: القرآن.
وأجيب بأنه: لا نزاع في حدوث المركب من الأصوات والحروف، لأنه متجدد في النزول. فالمعنى محدث تنزيله، وإنما النزاع في الكلام النفسي.
وهذه المسألة أعني قدم القرآن وحدوثه، قد ابتلي بها كثير من أهل العلم والفضل في الدولة المأمونية والمعتصمية والواثقية، وجرى للإمام أحمد بن حنبل ما جرى من الضرب الشديد والحبس الطويل وضرب بسببها عنق محمد بن نصر الخزاعي، وصارت فتنة عظيمة في ذلك الوقت وما بعده. والقصة أشهر من أن تذكر، ومن أحبّ الوقوف على حقيقتها طالع ترجمة الإمام أحمد بن حنبل في كتاب النبلاء لمؤرخ الإسلام الذهبي. ولقد أصاب أئمة السنّة بامتناعهم من الإجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه وحفظ الله بهم أمة نبيه عن الابتداع، ولكنهم رحمهم الله جاوزوا ذلك إلى الجزم بقدمه ولم يقتصروا على ذلك حتى كفروا من قال بالحدوث، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من وقف، وليتهم لم يجاوزوا حد الوقف وإرجاع العلم إلى علام الغيوب، فإنه لم يسمع من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وقت قيام المحنة وظهور القول في هذه المسألة شيء من الكلام، ولا نقل عنهم كلمة في ذلك، فكان الامتناع من الإجابة إلى ما دعوا إليه، والتمسك بأذيال الوقف، وإرجاع علم ذلك إلى عالمه هو الطريقة المثلى، وفيه السلامة والخلوص من تكفير طوائف من عباد الله، والأمر لله سبحانه.
وقوله: {إِلاَّ استمعوه} استثناء مفرغ في محل نصب على الحال.
وجملة: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} في محل نصب على الحال أيضاً، من فاعل استمعوه، و{لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} حال أيضاً والمعنى: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث في حال من الأحوال إلا في الاستماع مع اللعب والاستهزاء ولهوة القلوب، وقرئ: {لاهية} بالرفع كما قرئ: {محدث} بالرفع {وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ} النجوى: اسم من التناجي، والتناجي لا يكون إلا سرّاً، فمعنى إسرار النجوى: المبالغة في الإخفاء.
وقد اختلف في محل الموصول على أقوال، فقيل: إنه في محل رفع بدل من الواو في {أسرّوا}، قاله المبرد وغيره. وقيل: هو في محل رفع على الذمّ. وقيل: هو فاعل لفعل محذوف، والتقدير: يقول الذين ظلموا، واختار هذا النحاس، وقيل: في محل نصب بتقدير أعني. وقيل: في محل خفض على أنه بدل من الناس ذكر ذلك المبرد. وقيل: هو في محل رفع على أنه فاعل {أسرّوا} على لغة من يجوّز الجمع بين فاعلين، كقولهم: أكلوني البراغيث، ذكر ذلك الأخفش، ومثله {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ} [المائدة: 71] ومنه قول الشاعر:
فاهتدين البغال للأغراض

وقول الآخر:
ولكن دنا بي أبوه وأمه ** بحوران يعصرن السليط أقاربه

وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير، أي والذين ظلموا أسرّوا النجوى. قال أبو عبيدة: أسرّوا هنا من الأضداد، يحتمل أن يكون بمعنى: أخفوا كلامهم، ويحتمل أن يكون بمعنى: أظهروه وأعلنوه {هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} هذه الجملة بتقدير القول قبلها، أي قالوا: هل هذا الرسول إلا بشر مثلكم لا يتميز عنكم بشيء؟ ويجوز أن تكون هذه الجملة بدلاً من النجوى، وهل بمعنى النفي أي: وأسرّوا هذا الحديث، والهمزة في {أَفَتَأْتُونَ السحر} للإنكار، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره، وجملة: {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} في محل نصب على الحال، والمعنى: إذا كان بشراً مثلكم، وكان الذي جاء به سحراً، فكيف تجيبونه إليه وتتبعونه.
فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما تناجوا به، وأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال: {قُل رَّبّي يَعْلَمُ القول في السماء والأرض} أي لا يخفى عليه شيء مما يقال فيهما، وفي مصاحف أهل الكوفة: {قال ربي} أي قال محمد: ربي يعلم القول، فهو عالم بما تناجيتم به. قيل: القراءة الأولى أولى، لأنهم أسرّوا هذا القول، فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك وأمره أن يقول لهم هذا. قال النحاس: والقراءتان صحيحتان، وهما بمنزلة آيتين {وَهُوَ السميع} لكل ما يسمع {العليم} بكل معلوم، فيدخل في ذلك ما أسرّوا دخولاً أولياً.

{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ} قال الزجاج: أي قالوا: الذي تأتي به أضغاث أحلام. قال القتيبي: أضغاث الأحلام الرؤيا الكاذبة.
وقال اليزيدي: الأضغاث ما لم يكن له تأويل، وهذا إضراب من جهة الله سبحانه حكاية لما وقع منهم، وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية هذا القول.
ثم حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم: أضغاث أحلام، قال: {بَلِ افتراه} أي بل قالوا: افتراه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل. ثم حكى سبحانه عنهم أنهم أضربوا عن هذا وقالوا: {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} وما أتى به من جنس الشعر، وفي هذا الاضطراب منهم، والتلوّن والتردّد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به، لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه؟ أو كانوا قد علموا أنه حق، وأنه من عند الله، ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ويرموه بكل حجر ومدر، وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان. ثم بعد هذا كله، قالوا: {فليأتنا بآية} وهذا جواب شرط محذوف أي: إن لم يكن كما قلنا: فليأتنا بآية {كَمَا أُرْسِلَ الأولون} أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها، وصالح بالناقة، ومحل الكاف الجرّ صفة لآية، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف، وكان سؤالهم هذا سؤال تعنت، لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي، ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحوه لأعطاهم ذلك، كما قال: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23] قال الزجاج: اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال، فقال الله مجيباً لهم: {مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ} أي قبل مشركي مكة، ومعنى {من قرية}: من أهل قرية، ووصف القرية بقوله: {أهلكناها} أي أهلكنا أهلها، أو أهلكناها بإهلاك أهلها. وفيه بيان أن سنّة الله في الأمم السالفة أن المقترحين إذا أعطوا ما اقترحوه ثم لم يؤمنوا نزل بهم عذاب الاستئصال لا محالة، و{من} في {من قرية} مزيدة للتأكيد، والمعنى: ما آمنت قرية من القرى التي أهلكناها بسبب اقتراحهم قبل هؤلاء، فكيف نعطيهم ما يقترحون، وهم أسوة من قبلهم، والهمزة في {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} للتقريع والتوبيخ، والمعنى: إن لم تؤمن أمة من الأمم المهلكة عند إعطاء ما اقترحوا، فكيف يؤمن هؤلاء لو أعطوا ما اقترحوا.
ثم أجاب سبحانه عن قولهم: هل هذا إلا بشر مثلكم بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمُ} أي لم نرسل قبلك إلى الأمم السابقة إلا رجالاً من البشر، ولم نرسل إليهم ملائكة كما قال سبحانه: {قُل لَوْ كَانَ في الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً} [الإسراء: 95]. وجملة {نوحي إليهم} مستأنفة لبيان كيفية الإرسال، ويجوز أن تكون صفة ل {رجالاً} أي متصفين بصفة الإيحاء إليهم. قرأ حفص وحمزة والكسائي: {نوحي} بالنون، وقرأ الباقون بالياء: {يوحي}. ثم أمرهم الله بأن يسألوا أهل الذكر إن كانوا يجهلون هذا فقال: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} وأهل الذكر: هم أهل الكتابين: اليهود والنصارى، ومعنى {إن كنتم لا تعلمون}: إن كنتم لا تعلمون أن رسل الله من البشر، كذا قال أكثر المفسرين.
وقد كان اليهود والنصارى لا يجهلون ذلك ولا ينكرونه، وتقدير الكلام: إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أهل الذكر.
وقد استدل بالآية على أن التقليد جائز وهو خطأ، ولو سلم لكان المعنى سؤالهم عن النصوص من الكتاب والسنّة، لا عن الرأي البحت، وليس التقليد إلا قبول قول الغير دون حجته.
وقد أوضحنا هذا في رسالة بسيطة: سميناها: القول المفيد في حكم التقليد.
ثم لما فرغ سبحانه من الجواب عن شبهتهم أكد كون الرسل من جنس البشر فقال: {وَمَا جعلناهم جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} أي أن الرسل أسوة لسائر أفراد بني آدم في حكم الطبيعة يأكلون كما يأكلون ويشربون كما يشربون، والجسد جسم الإنسان. قال الزجاج: هو واحد، يعني الجسد ينبئ عن جماعة، أي وما جعلناهم ذوي أجساد لا يأكلون الطعام فجملة: {لا يأكلون الطعام} صفة ل {جسداً} أي وما جعلناهم جسداً مستغنياً عن الأكل، بل هو محتاج إلى ذلك {وَمَا كَانُواْ خالدين} بل يموتون كما يموت غيرهم من البشر، وقد كانوا يعتقدون أن الرسل لا يموتون، فأجاب الله عليهم بهذا.
وجملة: {ثُمَّ صدقناهم الوعد} معطوفة على جملة يدلّ عليها السياق، والتقدير: أوحينا إليهم ما أوحينا. {ثم صدقناهم الوعد} أي أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك من كذبهم، ولهذا قال سبحانه: {فأنجيناهم وَمَن نَّشَاء} من عبادنا المؤمنين، والمراد: إنجاؤهم من العذاب وإهلاك من كفر بالعذاب الدنيوي، والمراد ب {المسرفين}: المجاوزون للحدّ في الكفر والمعاصي، وهم المشركون.
وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} قال: «في الدنيا».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال: «من أمر الدنيا».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ} أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها {بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} كل هذا قد كان منه {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل {مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها} أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا كان ما تقوله حقاً ويسرّك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان، ثم لم يؤمنوا لم يُنْظروا، وإن شئت استأنيت بقومك، قال: «بل أستأني بقومي»، فأنزل الله: {مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ} الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَمَا جعلناهم جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} يقول: لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام.